صحافة واعلام

الإعلام الإلكتروني يدخل هو الآخر في أزمة!

دفع إعلان الموقع الإلكتروني الأميركي الشهير (بازفيد) إغلاق نسخته الفرنسية، كثيراً من العاملين في النشر الالكتروني إلى التساؤل عن طبيعة النموذج الاقتصادي، الذي ينبغي اعتماده، لمواجهة المنافسة الشرسة، التي يعرفها الاعلام الالكتروني.
وبينما نجحت مواقع، مثل «ميديابارت» في فرض نفسها بالاعتماد فقط على اشتراكات القراء، يبدو ان نموذج الارتباط بالاعلانات، يرهن مستقبل هذا القطاع.
لم يكن موظفو النسخة الفرنسية للموقع الأميركي الشهير «بازفيد» يتوقعون أبدا أن تتخذ الإدارة العامة في الولايات المتحدة قرار توقيف النسخة الفرنسية، في حين كان بعض الصحافيين في رحلة عمل لإنجاز «ريبورتاجات» لمصلحة الموقع.
هكذا سقط الخبر كالصاعقة على الموظفين، وقرأه مدير العمليات الدولية سكوت لامب، الذي جاء خصيصا من الولايات المتحدة، لإبلاغهم الخبر، في حين كانوا ينتظرون استعراض خطة تطوير الموقع حين تم استدعاؤهم لحضور اجتماع، فوجئوا خلاله بصدور قرارات تسريحهم.
وقال مدير النسخة الفرنسية ستيفان جوردان على حسابه على «تويتر» إن القرار قاس جدا وغير منتظر. وأضاف «حققنا انجازات رائعة، خاصة خلال الأشهر الأربعة الماضية».

مراحل التطور
كان «بازفيد» من أوائل المواقع الالكترونية الأميركية التي اطلقت نسخة فرنسية في نهاية 2013.
وبعد انطلاقة اعتمدت على ترجمة المضمون فقط، تطورت النسخة الفرنسية، وأصبحت إدارة تحريرها تتكون من 14 صحافيا، يكتبون منوّعات وقصصا إخبارية.
وتميزت النسخة الفرنسية بأخبارها الحصرية وتحقيقاتها، خاصة تلك التي تتعلق بعنف الشرطة أو التحرّش الجنسي في وسائل الإعلام الفرنسية وشبكات التطرف اليميني على الإنترنت وكواليس حملة مارين لوبان، علاوة على خطها الذي تميّز منذ البداية بالدفاع عن حقوق المرأة والاقليات، كما تطرق أيضا الى قضايا التمييز والعنف الجنسي، ولاقى صدى واسعا لدى القراء الشباب.
غير أن قرار غلق النسخة الفرنسية لا يعود إلى خطها الافتتاحي. فوفق ما ذكرته صحيفة لوفيغارو نقلا عن المتحدث باسم الموقع، فإن «بازفيد» يعتزم إعادة النظر في نشاطاته في فرنسا، بسبب حالة الشك التي تسيطر على السوق الفرنسية.
وترفض المؤسسة الأم إلى الآن تأكيد خبر الاغلاق، مفضلة الحديث عن «إجراءات تشاورية»، غير أنها فصلت كثيراً من صحافييها في أوروبا.
وكان الموقع قد سرّح في 2017 مئة صحافي في الولايات المتحدة وبريطانيا، ممن يعملون في قطاع الأخبار، بعد أن فشل الموقع في تحقيق أهدافه المالية.

مداخيل ضعيفة جداً
وتتحدث الإدارة العامة لبازفيد وفق لوفيغارو دوماً عن ضعف مداخيل الطبعة الفرنسية والمستقبل المجهول، بسبب المواجهة الشرسة، لبعض المواقع مثل Konbini أو Brut، رغم ان الادارة العامة في الولايات المتحدة رفضت دوماً انشاء فريق تجاري في باريس.
ووفق صحيفة le Temps السويسرية، فإن بازفيد يدفع حالياً ثمن ارتباطه بفيسبوك وتغيير موقع التواصل الاجتماعي لخوارزميته.
وكان الموقع الذي يعتمد كلياً في تمويله على الإعلانات، قد تأسس في 2006، ليصبح من بين أكبر وسائل الإعلام الإلكترونية في العالم، بسبب تنوع مضمونه، وقدرته على صنع حركية على مواقع التواصل الاجتماعي

أسباب غامضة 
ويقول الخبير في الإعلام الإلكتروني، الكسندر بيكا، في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية، إن أسباب غلق النسخة الفرنسية غير واضحة تماماً.
وأضاف «في الواقع أعلنت إدارة الموقع أنها ستعيد النظر في نشاطها في فرنسا بسبب مخاوف من السوق، لكنها أوضحت أن القرار يخص فرنسا فقط وليس نسخات دولية أخرى، على الرغم من أن نشاط النسخة الفرنسية لم يكن أسوأ من مثيلاتها مثل النسخة الألمانية».
وفي حديثه عن النموذج الاقتصادي لبازفيد، يشير المتحدث ذاته إلى أن بازفيد هو موقع مجاني عرف بإنتاجه مضامين مدفوعة الثمن وعلى المقاس لفائدة الماركات، مما يعني أن وارداته أكبر بكثير من المواقع الكلاسيكية.
ويتابع الكسندر بيكا فيقول: «بعد نشوة وفرحة الانطلاقة والبدايات، تضرر هذا النموذج من فرط مشاكل سوق الإعلانات، وبسبب المنافسة التي اشتدت مع مواقع إلكترونية أخرى، بدأت تتخصص في المجال ذاته، مثلها مثل غالبية المجموعات الكبرى لوسائل الإعلام التقليدية، مما دفع المعلنين الى خفض التكلفة، وبدأوا أكثر تطلباً فيما يتعلق بالفيديوهات والمضامين التفاعلية، التي عادة ما تزيد شهرة العلامة وتحسن صورتها، لكنها ترفع قليلا فقط من المبيعات المباشرة».

تنويع مصادر الدخل
ويرجع الكسندر بيكا فشل النسخة الفرنسية إلى سوء التسيير، وعدم اهتمام المؤسسة الأم بتسويق الموقع في فرنسا، لكن هل تدفعنا تجربة بازفيد الى القول إن الاعلام الالكتروني في حاجة الى تنويع مصادر دخله وعدم الاكتفاء بالاعلانات فقط؟
يرد الكسندر بيكا في هذا السؤال فيقول: «بالفعل خلال السنتين الأخيرتين، سعى بازفيد إلى تنويع مداخيله، فمؤسس الموقع جوناه بيريتي ركز مؤخراً على الاستثمار في الفيديوهات للاستفادة من مداخيل إضافية، من خلال إنتاج برامج وبيعها للقنوات التلفزيونية الأميركية أو الأجنبية، أو على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أو سناب شات، حين ترغب بالدفع، لكن المفارقة هي أن بازفيد حاول كسب مداخيل من الميزانية الاعلانية الموجهة للتلفزيون التقليدي.
ويقول بازفيد اليوم إنه استوحى نموذجه الاقتصادي من استديوهات متخصصة في المنوعات، مثل استديوهات ديزني، ومن خلاله فقرته «تاستي» المخصصة للأكل، يبيع اليوم دروساً في الطبخ وكتباً.. إلخ.

الأخبار لا تعني 

كانت النسخة الإنكليزية من موقع بازفيد أول من نقل الجمعة الماضية، حديث وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، خلال مأدبة غذاء مع مجموعة ضغط محافظة، عن شجاعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقابل قلة شجاعة بريطانيا، خلال مفاوضاتها حول الخروج من الاتحاد الاوروبي. وهذا يعني وفق صحيفة le Temps السويسرية أن نشر الأخبار الحصرية لا يعني النجاح، والدليل إغلاق النسخة الفرنسية بعد أربع سنوات من العمل، رغم أن خبر بازفيد الأخير تردد في كل مكان في العالم.

مستقبل النموذج المجاني

يعتقد الكثيرون أن النموذج المجاني في النشر الإلكتروني لم يمت، ولكنه فقد ميدانه خلال السنوات الأخيرة.
ويقول الخبير في الإعلام الإلكتروني، الكسندر بيكا، إن التطور بات جلياً في مجمل الصحافة، فالمواقع الإخبارية الكبرى، مثل لوفيغارو ولوموند، عززت الصيغة المدفوعة وباتت الاولوية بالنسبة لها هي كسب مشتركين رقميين جدد. ويضيف «غالبة وسائل الإعلام اليوم تعتمد صيغاً مدفوعة، وليبيراسيون وليكسبرس مثلا ستعلنان قريباً عن عروض مدفوعة جديدة، لكن استقطاب مشتركين لا يزال تحدياً، وفيما يتعلق بالمواقع الإلكترونية فخيار ميديابارت يعد أفضل خيار، ذلك ان كل مواده بمقابل، عكس مواقع أخرى تمكن القراء من قراءة بعد المواد مجانا، لكن في كل الأحوال تبقى الموازنة صعبة للغاية».

«ليكيب» تراهن ع‍لى كأس العالم لكسب قراء جدد

تراهن صحيفة ليكيب الفرنسية على بطولة كأس العالم المقررة هذا الشهر لمضاعفة عدد مشتركي النسخة الإلكترونية، مستغلة في ذلك الذكرى العشرين لفوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم. وتوقعت الصحيفة زيادة عدد مشتركين النسخة الورقية بــ15 ألف مشترك جديد، وارتفاع مبيعات النسخة الورقية بنسبة %20، وقال مدير تحرير الصحيفة جيروم كازاديو لصحيفة لوفيغارو إن المبيعات سترتفع أكثر فأكثر إن حقق المنتخب الفرنسي نتائج جيدة في مشواره خلال المونديال الذي ينطلق منتصف الشهر الجاري في روسيا.
وبدأت «ليكيب» استراتجيتها الجديدة لاستقطاب القراء، نهاية شهر مايو بنشر سلسلة حوارات طويلة مع كل عضو من أعضاء المنتخب الفرنسي لعام 1998 والحوارات متوافرة في صغيتها المكتوبة والفيديو على الموقع الالكتروني لكن للمشتركين فقط. وأعادت «ليكيب» السبت الماضي نشر نسختها التي صدرت بتاريخ 13 يوليو 1998 مقابل 3.20 يوروهات، كما قامت بزيادة سحب الصحيفة بنسبة %45. غير أن المشروع الأكبر سيكون «ليكيب اكسبلور» وستنفذه الصحيفة على موقعها الالكتروني، وتنشر خلاله مواضيع مطولة عن صيف 1998 ويقول مدير تحرير الصحيفة جيروم كازاديو إن هذه النسخة المطورة موجهة لأولئك الذين تقدر الجريدة بأنهم لم يطلعوا على محتواها خلال الـ30 يوما الماضية ونسبتهم تصل إلى %58 من الجمهور».
وقررت «ليكيب» إيفاد 26 صحافياً لتغطية بطولة كأس العالم في روسيا، بينهم 11 صحافياً سيغطون فقط تحرُّكات المنتخب الفرنسي، بينما سيركز صحافي واحد على الرهانات الجيوسياسية للبطولة، وآخر على المخاطر الأمنية، ويضيف جيروم كازاديو «إن فرق التوقيت لمصلحتنا في هذه البطولة، فأخر مباراة تنتهي عند العاشرة مساء، بينما تغلق الصحيفة عند منتصف الليل والنصف، هذا سيمنح مزيداً من الوقت للإدارة الفنية في الجريدة».

اترك تعليقاً