أخبار

رهان ترامب الجيوسياسي: أوكرانيا وآسيا الوسطى في قلب خطة فصل روسيا عن الصين

بقلم: بسام فهد ثنيان الغانم

خطة ترامب لعزل روسيا عن الصين: أوكرانيا كثمن استراتيجي، دور أوروبا، ودول آسيا الوسطى
في ظل الصراعات الجيوسياسية التي تعيد تشكيل النظام العالمي، يبرز نهج دونالد ترامب كمحاولة استراتيجية لفصل روسيا عن الصين، بهدف منع تشكّل تحالف قوي يهدد الهيمنة الأمريكية.
هذه الاستراتيجية التي تستخدم الحرب في أوكرانيا كمحور مركزي، تتفاعل مع دور أوروبا الحاسم وتتشابك مع الديناميكيات الإقليمية في دول آسيا الوسطى، التي تُعدّ جسراً جغرافياً واقتصادياً بين روسيا والصين.
في هذا المقال نستعرض خطة ترامب، مع التركيز على دور أوروبا، ونحلل ما إذا كانت الولايات المتحدة نجحت في تفكيك الترابط المكاني بين روسيا والصين عبر دول آسيا الوسطى، أم أن هاتين القوتين فرضتا سيطرتهما على هذه المساحات الشاسعة.

الصين وروسيا: التحدي الوجودي لأمريكا
تشكل الصين وروسيا معاً قوة اقتصادية، سياسية، وعسكرية هائلة، الصين بصفتها ثاني أكبر اقتصاد عالمي، تحدي النظام المالي الغربي، بينما تملك روسيا موارد طبيعية وقوة نووية تجعلها لاعباً لا يُستهان به، تحالفهما المدعوم بمبادرات مثل بريكس، يهدف إلى بناء نظام عالمي موازٍ يقلل من هيمنة الدولار والمؤسسات الغربية.
ترامب مدركاً خطورة هذا التحالف، يسعى لعزل روسيا عن الصين، مستخدماً أوكرانيا كورقة رئيسية، مع استغلال الانقسامات الأوروبية والتوازنات في آسيا الوسطى.

أوكرانيا: الورقة الاستراتيجية
تُعدّ الحرب في أوكرانيا ساحة جيوسياسية تتقاطع فيها مصالح القوى الكبرى.
ترامب من خلال دعوته لتسوية سريعة للنزاع وانتقاده للدعم الأمريكي المكثف لكييف، يرى في الحرب فرصة لإعادة صياغة العلاقات مع روسيا.
استمرار الصراع يدفع موسكو نحو تعميق اعتمادها على بكين، خاصة في تصدير الموارد وتأمين الاحتياجات الاقتصادية تحت العقوبات الغربية، من هنا يهدف ترامب إلى تقديم عرض لروسيا يشمل تخفيف العقوبات وإعادة دمجها في النظام الغربي، مقابل تقليص ارتباطها بالصين، حتى لو كان ذلك على حساب تنازلات أوكرانية.

دور أوروبا في الحرب
أوروبا بقيادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، لعبت دوراً محورياً في دعم أوكرانيا منذ بداية الحرب، دول مثل ألمانيا، فرنسا، وبولندا قدمت مساعدات عسكرية ومالية، وشاركت في فرض عقوبات صارمة على روسيا، لكن هذا الدعم يضع أوروبا في موقف معقد ضمن استراتيجية ترامب، فبينما تعتمد أمريكا على أوروبا للحفاظ على الضغط على روسيا، يثير موقف ترامب الداعي لتسوية سريعة قلق الحلفاء الأوروبيين، خاصة دول البلطيق وبولندا، التي تخشى أن يُفسر ذلك كضعف أمام موسكو.
في المقابل دول مثل ألمانيا وفرنسا المتضررة اقتصادياً من أزمة الطاقة، قد تكون أكثر انفتاحاً على التفاوض.
ترامب يستغل هذا الانقسام، دافعاً أوروبا لتحمل المزيد من أعباء دعم أوكرانيا، مما يمهد لتسوية تخدم هدفه بعزل روسيا عن الصين، لكن هذا النهج يهدد بإضعاف الثقة عبر الأطلسي، حيث تخشى أوروبا من تراجع الدعم الأمريكي، مما قد يعزز الانقسامات داخل الناتو ويضعف الأمن الأوروبي.

دول آسيا الوسطى: الجسر الجيوسياسي بين روسيا والصين
تُعدّ دول آسيا الوسطى – كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، قيرغيزستان، وطاجيكستان – جسراً جغرافياً واقتصادياً يربط روسيا بالصين، مما يجعلها ساحة تنافس حاسمة في الصراع على السيطرة الإقليمية.
هذه الدول تشكل مساحة شاسعة تربط بين القوتين، مما يعزز الترابط المكاني الذي يدعم تحالفهما الاستراتيجي.
مبادرة الحزام والطريق الصينية، إلى جانب الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا، جعلتا آسيا الوسطى مركزاً للاستثمارات والنفوذ المشترك بين بكين وموسكو.
الصين استثمرت بقوة في البنية التحتية والطاقة في هذه الدول، حيث أصبحت الشريك التجاري الأكبر لمعظمها، متجاوزة روسيا في بعض الحالات، على سبيل المثال، تمتلك الصين حصصاً كبيرة في حقول الغاز في تركمانستان، وتبني خطوط أنابيب تربط آسيا الوسطى بأسواقها، في المقابل تحتفظ روسيا بنفوذ سياسي وعسكري قوي، خاصة عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ووجود قواعد عسكرية في دول مثل طاجيكستان وقيرغيزستان، هذا التقاسم النسبي للنفوذ يعزز استقرار التحالف الروسي-الصيني في المنطقة.

هل نجحت أمريكا في تفكيك هذا الترابط؟
الولايات المتحدة حاولت، عبر استراتيجيات مختلفة، التأثير على دول آسيا الوسطى لتقليص النفوذ الروسي-الصيني. خلال عهد ترامب الأول، ركزت السياسة الأمريكية على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع هذه الدول، مثل دعم مبادرات تجارية عبر استراتيجية “C5+1” (التي تجمع الدول الخمس مع أمريكا)، لكن هذه الجهود ظلت محدودة مقارنة بالاستثمارات الصينية الضخمة والنفوذ الروسي التاريخي.
في سياق الحرب الأوكرانية، حاولت أمريكا استغلال قلق دول آسيا الوسطى من العقوبات الغربية على روسيا، التي أثرت على اقتصاداتها المرتبطة بموسكو.
على سبيل المثال كازاخستان، التي تشترك في حدود طويلة مع روسيا، أبدت حذراً في دعم موسكو علناً، وسعت لتنويع شراكاتها مع الغرب وتركيا، لكن هذه الدول لم تنقطع عن روسيا أو الصين، بل حافظت على توازن دقيق، مستفيدة من الاستثمارات الصينية والعلاقات السياسية مع روسيا.
حتى الآن يبدو أن روسيا والصين نجحتا إلى حد كبير في فرض سيطرتهما السياسية والاقتصادية على آسيا الوسطى.
الصين تواصل توسيع نفوذها عبر مشاريع البنية التحتية، بينما تحافظ روسيا على هيمنتها الأمنية.
أمريكا رغم جهودها تواجه تحديات هيكلية، منها بُعدها الجغرافي وعدم قدرتها على تقديم بدائل اقتصادية تنافسية مماثلة، استراتيجية ترامب التي تركز على عزل روسيا عبر أوكرانيا، لم تُترجم بعد إلى اختراق واضح في آسيا الوسطى، حيث يظل الترابط المكاني بين روسيا والصين قوياً.

الرسوم الجمركية: سلاح اقتصادي ضد الصين
في المقابل يواصل ترامب حربه الاقتصادية ضد الصين عبر فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية، بهدف إضعاف اقتصادها وتقليص نفوذها العالمي. رد الصين بفرض رسوم مماثلة في فبراير 2025 يعكس تصاعد الصراع الوجودي، ترامب يراهن على أن عزل روسيا عن الصين، سواء عبر تسوية في أوكرانيا أو إضعاف النفوذ المشترك في آسيا الوسطى، سيجعل بكين في موقف أضعف، حيث تفقد شريكاً استراتيجياً قوياً.

التضحية بأوكرانيا: ثمن الاستراتيجية وتحديات أوروبا وآسيا الوسطى
استخدام أوكرانيا كورقة في هذه اللعبة الجيوسياسية يحمل دلالات قاسية، لكنه يتماشى مع واقعية ترامب، إذا كان إنهاء الحرب في أوكرانيا حتى لو أدى إلى تنازلات لكييف سيؤدي إلى إبعاد روسيا عن الصين فقد يُعتبر هذا الثمن مقبولاً في واشنطن، لكن هذه الاستراتيجية تواجه تحديات كبيرة.
في أوروبا قد يؤدي تقليص الدعم الأمريكي إلى إضعاف الناتو وزيادة الانقسامات بين الحلفاء.
في آسيا الوسطى يصعب على أمريكا منافسة النفوذ الروسي-الصيني المتجذر، مما يحد من فعالية الاستراتيجية.
نجاح الخطة يعتمد على استعداد روسيا لقبول العرض الأمريكي، وهو أمر غير مضمون في ظل التوترات مع الغرب، كما أن استمرار روسيا والصين في تعزيز نفوذهما في آسيا الوسطى يعقّد محاولات أمريكا لتفكيك هذا التحالف، حيث يظل الترابط المكاني بينهما قوياً بفضل المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة.
خطة ترامب لعزل روسيا عن الصين هي رهان استراتيجي يعكس رؤية واقعية، لكنه يواجه عقبات معقدة. باستخدام أوكرانيا كأداة، يسعى ترامب لإعادة تشكيل التوازنات العالمية، مستغلاً انقسامات أوروبا لتخفيف الأعباء عن أمريكا، لكن في آسيا الوسطى حيث يتشابك النفوذ الروسي-الصيني لم تنجح الولايات المتحدة بعد في تفكيك الترابط المكاني بين القوتين، روسيا والصين عبر استثماراتهما ونفوذهما الأمني حافظتا على سيطرتهما على هذه المساحات الشاسعة، مما يجعل هدف ترامب بعزل إحداهما عن الأخرى تحدياً بالغ التعقيد.
في النهاية تبقى أوكرانيا وأوروبا وآسيا الوسطى ساحات حاسمة في هذه اللعبة الجيوسياسية، حيث تُحدد مصالح القوى الكبرى مصيرها.