أخبار

القضاء الأميركي يتحوّل قضية انتخابية على وقع اتهامات بالتسييس

إدانة تاريخية لرئيس سابق، تبعتها محاكمة استثنائية لنجل رئيس حالي. هذا هو لسان حال الولايات المتحدة في موسم انتخابي مشبع بالحملات الانتخابية والدعاوى القضائية.

ففي زمن التجاذبات السياسية الحادة والانقسامات الحزبية العميقة، أصبح القضاء الأميركي، وهو سلطة مستقلة بحكم نظام فصل السلطات، هدفاً للغاضبين من استهداف مرشح رئاسي أعلنوا الولاء له فسارعوا لاتهام خصمه جو بايدن بتسييس القضاء وتسليحه لأهداف سياسية.

يستعرض برنامج «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، صحّة الاتّهامات بتسييس القضاء وتسليحه، وما إذا كان ترمب سينجح في استقطاب المستائين من النظام الأميركي.

 

متظاهرون معارضون لترمب أمام محكمة مانهاتن بعد إدانته (أ.ف.ب)

 

قضاء مسيس؟

يرى جيم ترستي، محامي ترمب السابق في قضية «وثائق مارالاغو السرية»، أن محاكمة شخصية بارزة كالرئيس السابق دونالد ترمب في موسم الانتخابات تظهر أن القضاء يمكن تسييسه. ويقول ترستي: «إنه رئيس سابق ومنافس رئيسي ضد الإدارة الحالية، ولقد جرى ابتكار بعض القضايا التي اتُّهم بها وجرى تسييسها، كما أنّ الادعاء اتّخذ خطوات غير اعتيادية لملاحقته، بينما لم يقم بذلك مع أشخاص آخرين في ظروف متشابهة إلى حد ما».

وأشار ترستي إلى أن مخاوف الجمهوريين بتسييس القضاء وتسليحه «مشروعة»، مؤكداً أن تصريحات المدعي العام لمانهاتن ألفين براغ، والمدعية العامة في نيويورك ليتيسيا جايمس بشأن التوعد باستهداف ترمب خلال ترشحهما لمنصبيهما تُعزّز هذه المخاوف. وأضاف: «هذه لحظة غير أخلاقية بالنسبة إلى أي مدّعٍ عام، ويجب ألا نرى ذلك».

مناصرة لترمب ترفع لافتة داعمة له بعد إدانته (أ.ف.ب)

 

لكن بول بيليتييه، الذي عمل مدعياً عاماً فيدرالياً سابقاً في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، يخالف ترستي الرأي، فيرى أن كون ترمب «شخصية عامة» أدى إلى التدقيق في أفعاله بشكل أكبر مقارنة بأي مواطن عادي؛ لأنه «تحت المجهر». وتحدّث بيليتييه عن طبيعة النظام الأميركي، وتعيين القضاة والمدعين العامين، فأشار إلى أن هؤلاء يجري انتخابهم أو تعيينهم من قبل رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين، ما يؤدي إلى اتهامات التسييس. وأضاف: «عندما يقوم جمهوري بالادعاء على ديمقراطي، والعكس، سنستمع دائماً إلى هذه الاتهامات. والطريقة الوحيدة لتجنّب ذلك هي عبر فصل السياسة عن قرار المدعي العام». وبينما رأى براغ أنه من الطبيعي أن تكون هناك اتهامات بالتسييس نظراً لطبيعة النظام، إلا أنه أضاف: «في قضية نيويورك من الواضح أن هناك إثباتات عُرضت على هيئة محلفين عادلة ومحايدة، وفي النهاية اتخذ النظام مجراه».

ومن ناحيتها، شدّدت ستيفاني غريشام، مديرة الاتصالات السابقة في البيت الأبيض في عهد ترمب وكبيرة الموظفين السابقة للسيدة الأولى ميلانيا ترمب، أن الرئيس السابق «يستفيد من الوضع ويستغله». وقالت إنه «يقوم بعمل رائع، فأنا لم أعد من مناصريه، لكنه يبدع في قلب الأمور رأساً على عقب، وتحويل الأمر لكي يظهر في دور الضحية». وفسّرت غراهام قائلة: «نقل الحملة الانتخابية إلى قاعة المحكمة التي حضرها مجموعة من الإعلاميين، وكان بإمكانه أن يخاطبهم كل يوم. من الواضح أنه يحشد قاعدة مناصريه وداعميه، ويقول إنه جمع مبالغ طائلة بسبب الإدانة، لقد قام بعمل رائع باستخدام هذا الوضع لمصلحته».

أصوات المستقلين

يسعى كل من ترمب وبايدن إلى استقطاب أصوات المستقلين بعد الإدانة، لكن الأرقام لا تحمل أخباراً سارة لترمب، إذ رأى 52 في المائة من المستقلين أن على ترمب الانسحاب بعد إدانته، وفق استطلاع لشبكة «إيه بي سي» بالتعاون مع «إيبسوس».

ويُرجّح بيليتييه أن يخسر ترمب أصوات المستقلين في الانتخابات؛ لأنهم «يميلون إلى عدم التصويت لشخص أدين بجريمة»، مضيفاً: «هذا ما يعتقده معظم الأشخاص العقلاء، فهم لا يريدون لمجرم مدان أن يصبح قائد العالم الحر. وأعتقد أن هذا أمر طبيعي».

مقاربة يختلف معها ترستي الذي يرى أن هناك كثيراً من «ذوي التفكير المستقل أو غير المنحازين سياسياً الذين ينظرون إلى ما يجري، ويرون أن ترمب مستهدف؛ لأن الكثيرين لا يريدون رؤيته رئيساً مرة جديدة».

وتؤكد غريشام أن «القاعدة المتطرفة الجمهورية أو (قاعدة ماغا)، لن تغير رأيها في دعم الرئيس السابق». وتتحدث عن تجربتها مع ترمب خلال عملها في البيت الأبيض، فتقول: «عندما كنت أعمل لديه، قال إن بإمكانه الخروج إلى الجادة الخامسة، وإطلاق النار على أحد من دون أن يجري اعتقاله»، لكن غريشام تحذر من أن القاعدة الجمهورية ليست كافية للفوز في الانتخابات، بل «النساء المستقلات في الضواحي هن اللواتي سيقررن النتيجة»، مضيفة: «برأيي، عندما تتوجه النساء المستقلات وكثير من النساء من الحزب الجمهوري إلى صناديق الاقتراع، فإنهن سيصوتن لبايدن».

 

غابت ميلانيا عن مجريات محاكمة زوجها (أ.ف.ب)

 

غياب ميلانيا ومحاكمة هانتر

أثار غياب زوجة ترمب، ميلانيا، عن مجريات محاكمة نيويورك اهتماماً إعلامياً واسعاً. وبرّر الرئيس السابق غيابها بأن المحاكمة كانت «قاسية للغاية» على زوجته. لكن غريشام، التي كانت مقربة جداً من ميلانيا بحكم عملها بوصفها كبيرة الموظفين في مكتبها، تقول إن الرئيس السابق يسعى لمواجهة واقع أن زوجته لم تكن بصحبته في أي يوم من المحاكمة، مضيفة: «هو يدرك جيداً ما يقال في الأخبار والإعلام بأنها لم ترافقه ولو حتى مرة واحدة، ولم تقدم أي تصريح لدعمه». وتشير غريشام إلى أن ميلانيا كثيراً ما قالت لها خلال عملها في البيت الأبيض إن قضية أموال الصمت «هي مشكلته، وليست مشكلتي». وتابعت: «هي لم ترغب بأن تشبه هيلاري كلينتون وهي تقف بجانب زوجها خلال فضيحة مونيكا لوينسكي. وقد قالت لي ذلك، وعمدنا إلى فصل النشاطات من أعمال الرئيس في ذلك الوقت».

 

هنتر بايدن برفقة زوجته خارج موقع محاكمته في ديلاوير (أ.ف.ب)

 

ومع ازدياد الاتهامات الجمهورية بشأن تسييس القضاء الأميركي لصالح بايدن، تتوجه الأنظار إلى محاكمة نجله هانتر في قضايا امتلاك السلاح والتهرب من الضرائب.

ويرى ترستي أن الاتهامات التي يواجهها هانتر في قضية السلاح هي «نادرة جداً»، مشيراً إلى أن البعض يرى أن هانتر تجري ملاحقته «لأنه نجل الرئيس»، لكن محامي ترمب السابق رجّح أن الاتهامات الحالية التي يواجهها هانتر تهدف إلى تشتيت الانتباه عن الاتهامات الفعلية والتحقيقات في الكونغرس المتعلقة بممارسات عائلة بايدن، مضيفاً: «إذا ما نظرنا إلى ما توصلت إليه لجنة التحقيق في الكونغرس بشأن النشاطات المالية المشبوهة، وكل الشركات الوهمية والأموال الأجنبية التي تدفقت نحو عائلة بايدن، فهذه مشكلة أكبر تستحق تحقيقاً حيادياً وعادلاً، وليست قضية السلاح الضعيفة والجنح الضريبة».