أخبار

ترمب جريحاً… وذاهب إلى المؤتمر الجمهوري «للتحدث إلى أمتنا العظيمة»

حظي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة، بموجة تعاطف نادرة، حتى من كبار المسؤولين في الإدارة الديمقراطية، فور تعرضه لمحاولة اغتيال، وُصفت بأنها الحدث السياسي الداخلي الأخطر في الولايات المتحدة، منذ محاولة اغتيال الرئيس السابق رونالد ريغان قبل أكثر من 4 عقود.

الحادث الذي أصيب فيه ترمب بطلق ناري في أعلى أذنه اليمنى، ووصفته السلطات بأنه محاولة اغتيال نفّذها شاب أبيض يُدعى توماس ماثيو كروكس، استأثر باهتمام منقطع النظير داخل البلاد وخارجها، بسبب ما يمكن أن ينتج عنه من تداعيات، ليس فقط على الانتخابات التي ستحصل بعد أقل من 4 أشهر، بل أيضاً على مجمل الحياة السياسية في الولايات المتحدة، التي تشهد انقسامات لا سابق لها، عكستها الاتهامات الفورية من مسؤولين بارزين في الحزب الجمهوري ضد إدارة الرئيس جو بايدن، رغم أن الأخير سارع إلى المطالبة بنبذ العنف السياسي، والاتصال بترمب للاطمئنان عليه.

الكلام من ويسكونسن

وجاء الهجوم قبل يومين فقط من افتتاح المؤتمر العام للحزب الجمهوري في ميلووكي، الذي من المقرّر أن يرشح ترمب لمنصب الرئيس للمرة الثالثة، وما أن تبيّن أن ترمب «بخير»، أكّدت حملته أنه يعتزم التوجه إلى مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن؛ للمشاركة في المؤتمر العام للحزب الجمهوري، الذي ينعقد هذا الأسبوع هناك؛ للحصول رسمياً على بطاقة الحزب للانتخابات في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ولكن لم تتضح على الفور طبيعة الإجراءات والتدابير التي ستُتخذ إذا سمحت له الأجهزة المكلّفة بحمايته بالمضي في هذه الرحلة، على رغم أنه كتب على منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشال»، صباح الأحد، أنه سيحضر مؤتمر الحزب في ميلووكي وفقاً لما هو مخطط. وقال: «أنا أحب بلادنا بحق، وأحبكم جميعاً، وأتطلع إلى التحدث إلى أمتنا العظيمة هذا الأسبوع من ولاية ويسكونسن».

ورأى «ترمب الجريح» أن «الله وحده هو الذي منع حدوث ما لا يمكن تصوره»، في إشارة إلى محاولة الاغتيال. وأضاف: «لن نخاف، بل سنبقى صامدين في إيماننا ومتّحدين في وجه الشر، حبنا يخرج للضحايا الآخرين وعائلاتهم، نحن نصلي من أجل شفاء الجرحى، ونحمل في قلوبنا ذكرى المواطن الذي قُتل بطريقة فظيعة». وقال: «في هذه اللحظة، من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نقف متّحدين، وأن نُظهر شخصيتنا الحقيقية كأميركيين، وأن نبقى أقوياء ومصمّمين، ولا نسمح للشر بأن ينتصر».

وجاءت محاولة الاغتيال هذه ضد ترمب بمثابة انفجار للعنف السياسي في وقت حرِج للغاية من التاريخ الأميركي، الذي يشهد حملات سياسية عاصفة بين رئيس حالي يحاول البقاء ولايةً إضافية في البيت الأبيض، بدعوى أنه يريد حماية الديمقراطية العريقة في البلاد، ورئيس سابق يسعى إلى العودة إليه، بدعوى تلبية تطلعات الشعب الأميركي، والاستجابة لـ«المظالم» الكثيرة التي يتعرض لها.

أميركا والعنف السياسي

ورغم قول الرئيس بايدن إنه «لا يوجد مكان في أميركا لهذا النوع من العنف»، فإن محاولة الاغتيال تشير إلى خلاف ذلك، في بلاد تواجه صعوبة بالغة في التعامل مع عمليات القتل الجماعية، وإطلاق النار بشكل قياسي، بما في ذلك البندقية شبه الآلية «إيه آر 15»، التي استخدمها توماس ماثيو كروكس (20 عاماً) في محاولته استهداف ترمب.

وازداد الأمر تعقيداً بعدما تبيّن أن كروكس مسجّل في سجلات الانتخابات جمهورياً، علماً بأن سجلات تمويل الحملات الفيدرالية تشير إلى أنه تبرّع بمبلغ 15 دولاراً لمشروع تعدّه مجموعة ليبرالية في يناير (كانون الثاني) 2021.

ولكن الخلافات والاستقطابات لم تختفِ مع التعاطف الكبير الذي حظي به ترمب بعد الحادث، بما في ذلك عندما أعلنت حملة بايدن أنها ستعلق الإعلانات التلفزيونية وغيرها من وسائل الدعاية الانتخابية في هذا الوقت الحرج؛ إذ سارع أنصار ترامب إلى إلقاء اللوم على الليبراليين ووسائل الإعلام، وبايدن نفسه، في إثارة العداء ضد ترمب. وكتب السيناتور جيمس ديفيد فانس، وهو مرشح بارز لمنصب نائب الرئيس على بطاقة ترمب، على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي، إن إطلاق النار على ترمب «لم يكن مجرد حادثة معزولة».

ورفضوا أي إيحاءات بأن النهج السياسي للرئيس السابق، وخطاباته النارية، يؤديان إلى تأجيج المشاعر لدى الشعب الأميركي عامةً، بما فيها شعارات ترمب نفسه، وأبرزها «أميركا أولاً»، و«فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، ومواقفه المثيرة للجدل بشأن العديد من القضايا الرئيسية المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية.

ترمب «انتُخب اليوم»!

ورغم حصول محاولات اغتيال أو حوادث أو مؤامرات فاشلة استهدفت الرؤساء السابقين؛ جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، أثناء فترة ولايتهم أو بعدها، فإن ترمب هو أول رئيس حالي أو سابق يُصاب في أعمال العنف، منذ إصابة رونالد ريغان عام 1981، وتعزو بعض الصحافة الأميركية إلى ترمب تحريضه على العنف، وخصوصاً تصريحاته النارية قُبيل اقتحام مبنى الكابيتول بواشنطن العاصمة في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، عندما حاول منع الكونغرس من المصادقة على فوز بايدن بانتخابات عام 2020.

ورغم إصابته في الحادث، فإن الرئيس ترمب بدا مصمّماً على المضي في حملته الانتخابية، وهو ما أثار حماسة الجمهور عندما رفع قبضته والدماء تسيل على وجهه، وسط حشد من عملاء الخدمة السريّة المولجين بحمايته، وهتف: «قاتلوا! قاتلوا!»، فاستجاب الجمهور المضطرب بهتاف: «يو إس إيه، يو إس إيه!»، وصاح أحد الرجال: «ترمب انتُخب للتوّ اليوم يا جماعة! إنه شهيد!».

وجاء إطلاق النار في وقت يتقدم فيه ترمب على بايدن في معظم استطلاعات الرأي، سواءً على المستوى الوطني أو في الولايات الحاسمة مثل بنسلفانيا. ويحاول بايدن لجم انتفاضة داخلية من العديد من الديمقراطيين، الذين يريدون منه التنحي عن الترشح بعد أدائه غير المستقر، والمرتبك في مناظرة مع ترمب الشهر الماضي.

وقبل ساعات فقط من محاولة الاغتيال هاجم بايدن معارضة ترمب السيطرةَ على الأسلحة، وكتب بايدن على «إكس»: «أريد حظر الأسلحة الهجومية، وأطلب إجراء فحوصات شاملة للخلفية. وعد ترمب جمعية السلاح الوطنية بأنه لن يفعل شيئاً في شأن الأسلحة. وهو يعني ذلك».

ومن الواضح أن المؤتمر العام للحزب، بدءاً من الاثنين، في ميلووكي، سيكون متوتراً للغاية سياسياً وأمنياً بسبب الحادث، وتتعامل السلطات الأميركية مع المناسبة باعتبارها تحدياً أمنياً كبيراً، ويفترض أن يقوم المسؤولون بمراجعة خططهم الخاصة بالاجتماع الذي يستمر حتى ليل الخميس.